أعذب ما قيل في التوبة

يتجه المرء إلى خالقه عند الشدائد ويتضرع إليه أن يصرف عنه المصائب ويطلب إليه الغفران والمغفرة عند دنو الأجل لأنه هو المسامح الكريم.
وانطلاقاً من سلوك البشرية جمعاء فإن أحكامها بحق الآخرين تصدر في كثير من الأحيان مبنية على ظواهر الأمور دون أن تسبر أغوارها في الأعماق.
ومن قبيل التأكيد على ذلك لقد تم زرع أفكارنا عند دراسة حياة الشاعر أبي نواس من قبل نقاد الأدب أنه شاعر المجون والخمرة ولم يتناولوا الإشارة ولو بإيجاز كبير القصائد التي قالها عند توبته إلى الله تعالى في مراحل حياته الأخيرة واكتفوا بالتدليل على قصيدته العصماء في الخمرة التي مطلعها هذا البيت :
دع عنك لومي فإن اللوم اغراء    وادوني بالتي كانت هي الداء
ومع مرور الأيام وخلال مطالعاتي لبعض قصائده في ديوانه الزاخر لجميع أنواع الشعر وقفت على أبيات بقيت راسخة في عقلي عن توبته إلى الله وايمانه العميق : اذكرها من قبيل الشواهد على هذا الحكم.
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة          فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أن كان لا يرجوك إلا محسن           فيمن يلوذ ويستجير المحرم
أرجو ربي كما امرت تضرعاً        فإذا رددت فمن لا يرخم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا   وجميل عفوك ثم أني مسلم
وقال أيضاً :
الهي إن يكن ذنبي عظيماً              فعفوك يا اله الكون أعظم
فمن ارتجي مولاي عفواً                وفضلك واسع للكل مغنم
تركت الناس كلهم ورائي               وجئت إلأيك كي بالقرب أنعم
فعاملني بجودك وزاعف عني          وإن تغضب فمن يغفر ويرحم
ومن قبيل المقارنة أذكر قول أحد الصوفيين في الأستغفار :
الهي عبدك العاصي أتاك               قراً بالذنوب وقد دعاك
فإن تغفر فأنت له الأهل                وإن تطرد فمن يرحم سواك
وقال أيضاً :
يا من خزائن قوله في ملكه كن فامن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة           فبالافتقار فقري إليك أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة          فإن رددت إلى أي باب أقرع
ومن الذي أدعو ,اهتف باسمه          إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
وقال شاعر آخر :
فاغفر لعبدك ما مضى وارزقه          توفيقاً لما ترضى ففضلك كامل
فافعل به ما أنت أهل جميله            والظن كل الظن أنك فاعل
وقال آخر :
لطف اللطيف بخلقه لا يختفى                 فجميله تخفى الهوم وتنجلي
هو حسبناكم حادث ضقنا به            ذرعاً ففرج كربة اللطف الخفي

ويبدو من خلال التشابه في الابتهال إلى الخالق الكريم نفس المشاعر الإنسانية بالإيمان العميق الذي يجيش في الصدور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق